بحـث
المواضيع الأخيرة
الخادمــــــــــــــــــة
صفحة 1 من اصل 1
الخادمــــــــــــــــــة
الخــــادمــة
كانت تُدعي مديرة منزل ... تقدم للمقيمين المأكولات والمشـروبات الباردة والساخنة ... في تلك الليلة كان خارج الشقة رياح تعوي وبرد قارص يخترق الجلود، والبرق سيف متقلب لامع وميضه يشــق السماء، وفي الداخل جو معتدل منعش ... قدمت الإناء الكبير والزجاجات محاطة بالثلج، والفتاحة، والكؤوس ... اقتحمها ضيف جديد بعيون فاجرة ... تطلع إليها من أطراف قدميها حتى منبت شعرها الأسود الفاحم، المنسـدل حتى مؤخرتها ... أحسـت بأنه خلع عنها ملابسـها قطعة قطعة ... تعرت ... وجلت، لا تجــد شــيئا تستر نفسها به ... ارتدت إلى الخلف ... هربت إلى الداخل ... ضحك حتى اقترب وجهه من ركبتيه ... أدرك بخبرته أنها عرفت ما يريده منها ... عادت تحمل المزَّة بيدين مرتعشـتين، وجســد مرتجف يتصبب عرقا ثلجيا ...
كان وسيما جسيما، واسع العينين أكحلها ... لا تدري ماذا دهاها ... تعمل من سنوات، ولم يستطع أحد أن ينالها بســوء ... فتح حقيبتة ( الســامسونايت ) رأت ( رزما ) من جنيهات استرلينية ودولارات، رأتها بشكل عفوي ... عوى الفقر والجوع داخلها ... أدارت وجهها دون أن تعطيه أدنى اهتمام، فأوحت إليه أنها لم تر شـيئا . أعاد فتح الحقيبة ولكنها لم تعره التفاتا ... جرب أن يضع يده على مؤخرتها، فالتفتت إليه وقد تحول جسـدها الأنثوي إلى تمثال نحت من حمم بركانية متقدة، ووجه غضوب شـرس، وعيون تحتشــد حقدا وكراهية ومقتا :
ــ قطعت يدك يا برميل زيت وسخ ...
انتابه خوف هائل ... صعق من تحفزها وردّ فعلها العنيف الذي لم يتوقعه ... كان يتوقع أن تتقصع، وتتمايل في غنج ودلال وتخرج مبتسمة ممتنة ... تطير سرورا ونشــوى لكن أن تسـبه، هذا هو المستحيل بعينه ... تروى ... تماسـك... همَّ أن يصفعها، ويركلها، فحال بينهما المَضِيف ... قال :
ــ أََحْمِد ربك، أنها لم تقتلك ... كادت أن تصرع ِولـْد ميلود الجَفْـري ...
ــ من أين أتيت بهذه النمرة؟ أابنة باشا ســابق أناخ عليه الزمن؟ أم بنت بارم ذيله، أ ليست مجرد خادمة؟ عملة رديئة تنوشها الأيدي ... ضائعة من حواري القاهرة يصير عليها ما يصير على الخادمات الســاقطات من أمثالها؟
هدَّءوا من روعة ... :
ــ ألم تصادف خادمة شـريفة؟ ألم تسمع المصريون يقولون؛ أحلى من الشرف مفيش ... كــَّبر دماغك كما يقول أولاد هذا البلد التعس ...
قال أحدهم :
ــ أوهام الشرف والكرامة، ورواسب الماضي، وجنون الســطوة وأوهام السيطرة، هو ما يجعل هؤلاء الجياع المهزومة يدّعون أنهم أولاد ناس، وأصحاب جاه عضهم الفقر بأنيابه، وأنهم يجاهدون حتى يعيشوا شرفاء ...
انخرطوا في ضحك هسـتيري حتى انكفأوا على أقفيتهم ...
* * *
لم ينسَ إهانة هذه الأنوثة الطاغية له، لابد أن ينالها حتى لو تزوجها، ويقضي وطره منها وبعدها يحلها ربنا ... حدثته نفسـه :
ــ مَــَرة ناضجــة تتفجــر أنوثة في منتصف العشرين، لا يمكن أن تستعصي عليّ ... نعم لن تستعصي عليَّ ...
قابلها في الردهة وهو في طريقه إلى الحمام ... عرض عليها ( ألفيّ جنيهٍ ) في الشهر وتعمل عنده، ردَّت :
ــ ولا مليون جنيه ... الشرف والأمانة عندي أغلى من كنوز الأرض ... إلاّ أنا لا أباع ولا أشـترى ...
ــ أقســم بالله، وحق الكعبة لن أتركك، لســوف أنال منك، حتى لو ذهبت إلى آخر العالم ...
ــ وأنا أقسم بالله لن تمس شــعرة مني، حتى لو كنت تملك الدنيا، إلاّ إذا كنت جثة هامدة ...
انتابته الحيرة، لم يقابل مثل هذه المَــرَه ... كل النســوان اللائي قابلـهن يتمـنعن ثم يلن ويتأودن وبعد ذلك يطأهن، ويصبحن ملك بنانه، ويرمي لهن ببضع مئات من الجنيهات، لماذا تستعصي عليه هذه المَــره ؟!! همس بحســرة : أهي شــريفة فعلاُ ؟
لقـد تمكنت منه رعونة الرغبة وشــبقها الشــرس، فليجرب معها طريق الشرف ..
ــ أين تقيمين ... ألك أهل ؟ أريد أن أتزوجك ...
جفلت ... التصق لسانها بحلقها، حارت ... اسـتندت على مســند كرسي، وأغمضت عينيها، أوشكت أن تغيب عن الوعي ... بماذا تجيبه ... كاد أن ينخلع قلبها من الرعب، أتقول؛ نعم قبلت بك زوجا ... تراءت لها بنت الحوامدي التي تدور علي المحاكم، لإثبات نســب ابنها، وبنت ســعدون الذي طلقها زوجها وأخذ منها ضناها وفرَّ إلى بلاده ... تروت ... اســتدارت له :
ــ لكي تنال مني وتأخذ ما تريد ثم تقذف بي إلى مجاهيل فضاءات هذا الكون الذي لا يرحم، وأعيش أتجرع كؤوس الندم والحسـرة ... لا يا سيدي ... أنت صاحب مال وجاه ... أهلي فقراء ... بقايا بشـر انقرضوا، رأسمالهم هو الشرف والعفة ... أنتم لا تقيمون للشــرف أو الإنسان وزنا ...
ــ أقسم لك أنني أحببتك، ولن أبرح هذه البلد إلا وأنت زوجتي، وستحصلين على ما يضمن لك مستقبلك أنت وأهلك ... أنا جاد ... ستعرفين كل شيئ عني ... ( بنبرة سـاخرة ) تعلمت منك درسـا لن أنساه ...
ــ الخمر لعبت برأسك يا ســيدي، بالله عليك اتركني لمصيرى ... ورائي أشــقائي الصغار ينتظرونني، وأب مريض كسير الفؤاد، كان يوما موظـفا بالحكومة كريما وشــريفا وطيبا، يتمايز بأسرته بين الناس، ابتلي بمــدير وصحــبة من اللصوص لفقوا له تهمة اختلاس وطردوه بلا معاش أو مكافأة ... مرض من الفقر والقهر، والظلم بالسكري وبترت ســاقاه، اتركني لله لأقوم على رعاية أسرتي، الله يســترك ... أنا مرتبطة عاطفيا بقريب لي يكدح من أجل أن يكمل تعليمه الجامعي، بعد أن توقفت أنا بســبب ظروفي ... إذا قبلت بك زوجا سأظلم حبيبي وســأظلمك، وأنت لا ترضى أن أكون جاحدة ظالمة وخائنة للمودة وكلمة الشرف التي التزمت بها أمام الله ...
أحس من توسلات كلاماتها، ومن بين دموعها اللاهبة صدق كلماتها، لكن رغبته فيها وأهانتها له حريق لا يطفئه إلاّ الانتقام ...
ــ اجلسي ... أنا لســت وحشــا ... لا تخافي، أرجو أن تقبلي مني هذه الأموال تقديرا مني لك، لا أريد مقابلا لها، وهذه تليفوناتي وعناويني، وحين ينتهي حبيبك من دراســته ســأعينه في المكان الذي يختاره وفي البلد الذي يروقه ...
ــ العناوين والتليفونات سـآخذها، أما الأموال فلا ... أخشى أن تبلغ عني الشـرطة بأنني ســرقت أموالك وتضعني في السجن ...
ــ أ لهذا الحــد لا تثقين في أحــد؟...
ــ يا سيدي هذه دروس علمتنيها قســوة دنيانا، وجشـع البعض ونهمهم للرفاهية ورغد الحياة، حتى ولو على جثث الآخرين ...
ــ سـأفتح لك حسابا بالبنك ... سـأضع لك فيه ما أريد، أنت غنية بعفتك، ولن أجعلك فقيرة من الآن ... لقد أعدتي لي ثقتي في نفسي ... أرجوك، دعيني أكفر عن ســوء ظني فيك ... أريد أن أســاعد والدك وأرفع عنه الظلم ... دعيني أقابله ... ولأبرهن لك أنني لسـت برميل زيت وســخ ...
رفعت رأسها وهي تلوم نفســها على رعونتها، والابتسامة تضئ وجهها الذي استعاد نضارته وبهاءه، ودموع صافية تتدفق عرفانا بالجميل، وبكلمات خجلة؛ قالت :
ــ ســــيدي .. أعتذر عن إهانتي لك ...
اســتدارت تلملم أشــياءها فقد تأخر بها الوقت ...
ابتســم ابتسامة خبيثة، وربت علي كتفها؛ وقال بصوت خافت أقرب إلى الهمهمة :
ــ كم أنت حثالة وســاذجة ... هل صدقتي أن أنسا إســاءتك يا بنت الكلب ...
بعد أن حزمت أمرها وهمت بالانصراف طلب منها أن تعد له فنجانا من القهوة التي اشـتهرت به ... اتجهت إلى المطبخ، فقام بفتح حقيبتها ودس فيها رزمة من فئة المائة دولار، وزجاجة ويسكي صغيرة ...
قدمت له القهوة ... ودَّعت الجميع بابتســامتها الآسـرة وكلماتها الطيبة وانصرفت ...
ما أن نزلت إلى الشارع حتى أطبقت عليها سيارة بوليس النجدة ... فتشــوا حقيبتها ... صفعها الضابط على وجهها، فاختلطت دموعها بخيوط الدماء التي انبثقت من فمها، ولم يكتف بذلك بل أوســعها ركلا ولكما مع سيل من الشــتائم والســباب ... أدخلها الســيارة واصطحبها إلى قســم البوليس ...
أيريل 2006
أحمد الشافعي- الجنس :
عدد الرسائل : 17
العمر : 81
العمل : موجه سابق بالتربية والتعليم بالمعاش
الهواية : رومانسي/وواقعي
الأوسمة : 0
نقاط : 11499
تاريخ التسجيل : 17/03/2009
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الإثنين 25 يناير 2016, 3:01 pm من طرف الشاعر نادر الأسيوطي
» ديوانُ شعري أنوارٌ بمشكاة
السبت 07 نوفمبر 2015, 8:43 pm من طرف زاهية بنت البحر
» شاكر بوعلاقي اعود الى ماضينا
الأربعاء 28 أكتوبر 2015, 4:20 pm من طرف خوري ليليا
» غرف نوم وغرف اطفال ومطابخ وانتيكات
الإثنين 29 ديسمبر 2014, 9:45 am من طرف احمد عطية
» راجعين نادر الأسيوطي
الثلاثاء 18 مارس 2014, 4:57 pm من طرف الشاعر نادر الأسيوطي
» البوم صور شاكر بوعلاقي
الثلاثاء 04 مارس 2014, 6:00 pm من طرف شاكر بوعلاقي
» محكمة
الخميس 13 فبراير 2014, 6:21 pm من طرف الشاعر نادر الأسيوطي
» صلوا علي الحبيب المصطفي
الخميس 26 ديسمبر 2013, 7:08 pm من طرف انا فيروز
» بشـــــــــــــــــــرى لكـــــــل ربــه منزل وسيده
الإثنين 02 ديسمبر 2013, 8:48 pm من طرف انا فيروز
» دقــــــــولــــهــــا الــــهــــون
الخميس 09 أغسطس 2012, 8:23 pm من طرف عامر عبدالسلام