بحـث
المواضيع الأخيرة
الزمن يعتذر
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
الزمن يعتذر
الزمن يعتـــذر
دُعِيَ في فرح من أفراح أسرته ... جاءه صبيُّ يقول له: ماما ... وأشار إلى حيث تقف سيدة في ركن قصيٍّ ترتدي فستانا مطرزا بخيوط لامعة يبعث هالة مضيئة من حولها وقد ترك الزمن على وجهها آثاره ... تقدم إليها ... مدّ يده لليد الممدودة في حذر ... أخذ يتفرس في وجهها ... كاد أن يصرخ من المفاجأة " لولا " . ولأن الحب يجعل المرأة المحبوبة أكثر جمالا وبهاءا ويفعل أفاعيله حتى لو مرت دهور ودهور، فقد تشابكت الأصابع وتلاقت العيون فلمعت ببريق الفرح، وجرت فيهما ماء الحياة بعد جفاف دام ثلاثين عاما ... عيناها في سواد الدب اللامع الألق، وأهداب كأهداب عيون المها، والوجه كدارة القمر، جمالها وحشي كاسر يلتهم الأفئدة، فما بالك بفؤاد صبُّ متيم، انحنى عليها وقبَّل فمها باندفاع أرعن غير مقدر للعواقب ... فغرت فاها باندهاش ... فاجأها كعادته منذ ثلاثة عقود كأنها مضت بالأمس . كان فمها بديعا، وأسنانها مصطفة لامعة ونظيفة مفعما كعادته بالشباب، رغم مرور هذه العقود … استعادا تلك القبلة الندية ورضابها المسكر منذ ثلاثين عاما أدبرت لم يحسّـها في شفاه كل محبوباته، ولم تحسّها هي بين عظام ضلوع صدر من تزوجته عنوة . تحت ضغـوط فقر كثيف، وقسوة زمن غبيّ، وإلحاح أبٍ كسير الكبرياء، وبلد محكوم بتقاليد رثة وبالية، وعقائد مغلقة، تقف حجر عثرة في سبيل إسعاد البشر، وإطلاق طاقتهم الخلاقة ...
تدافعت الأحاسيس شلالات كاسحة أمامها ركام ذكريات ثلاث عقود من حرمان المودة والصبابة والشوق الوله ... أحسا ببرودة تسري في أطرافهما وندت على شفتيهما برَد الندى الرطب ... فرقتهما ظروف القسوة، وجمعتهما الصدفة بغير ترتيب ولا تنسيق ... ثلاثون عاما من الانتظار الكسيح البطيء ... سمي بالمنتظر، صدفة لم تأت إلا بعد سنين وسنين ... يتصيـد ويرهـف السمع عن أخبارها التي تأتي متباعدة ... قالت: أنا ضحيتك ... قال: أنا لست بأفضل منك ... كأن الزمن يعتذر عن آلمنا لكنه اعتذار متأخر جداً ... لا فرق بين المذنبين والضحايا ... كانت الظروف أقسى من أن تقاوم ... قالت: كنت أحبك بجنون ... قال: وأنا كنت أحبك بجنون ... أصبحت جدة ... قالت: لم ولن أنساك يوما حتى وأنا أدخل قبري، قال: قلبي لا يحتمل يا محبوبتي قسوة الفراق مرّة ثانية، الآن نعيش حالة وظرفا استثنائيا ... لك زوج وأحـفاد، ولي زوجة وأحـفاد … قالت: اعرف، ولكن حياتنا وعمرنا ضاع سُدًى ... لم نسعد ولم نعش الحيـاة ... قال: ولن نعشها فليقنع كلانا بما قدر له، فقد ذهب رونق الشباب، وتواكبت علينا المحن، والأمراض . ولتكن الذكريات زادنا ... فلا ذنب لأحد في مآسينا ... لو كنت أمتلك مالا، وكنت أنت غير مكبلة بنير الفقر ومذلته لتغير كل شيء ... الفقر والعوز إهانة، والاحتياج هوان ... كثرة أشقائك أفزعني … كنت سأكون مسئولا عن أهلي وأهلك، وأنا .. رفعت يدها ووضعتها على فمه، فتناولها وقبلها بامتنان وشغف . قالت : لا تضيع جمال لحظة اللقاء في الاعتذار عن ماض لن يعود ...
كان قلبه ينبض بقسوة وعنف فتناول حبة "أذرديل" ووضعها تحت لسانه ... تساءل، أ ينبض القلب العليل بعد كل هذه السنين، أم هي مراهقة متأخرة؟! شعر بإحساس مخادع ... رطوبة الجلد الذي جفَّ وتغضن ... دبيب الرجولة في أعضائه المترهلة ... أطرق أحس مرارة المهزوم ... كان لابد أن يذهبا، فلمعت العيون بدمع همَّ أنْ يتساقط ... تبادلا أرقاما وعناوين على أمل حديث ولقاء . تأبط ذراع زوجته ... تساندت عليه، أخذ يدندن بأغنية حزينة:" عدت يا يوم مولدي عدت يا أيها الشقي، الصِّبَا ضاع من يدي وغزا الشيب مفرقي .."
جلس في الروف وقد تراءت له في ضوء القمر، كسالف أيامه، ونسمات الربيع تدغدغ وتلامس عواطفه المنصتة للموسيقى المنبعثة من أعطافها، ومن وجناتها المدممـة اللامعة، ومن شفتيها التي تنفرج عن أسنان كموجات البحر تتلألأ على قممها ضوء القمر الفضي . . .
سهر إلى آخر الليل ... كان لابد له أن ينام بعد يومه الحافل بالعمل الشـاق صباحا وبالمفاجآت في ليله الطويل ... دفن نفسـه بين الأغطية بجوار زوجة تشكو جفاف المشاعر ووجع المفاصل ... ندت من عينيه دموع سخينة بللت وسادته الجافة ... تمتم هامساً: إنها الحياة ... لكزته امرأته: بطّلْ تكلم نفسك ... نـــــــــــم
أغسطس 2005
دُعِيَ في فرح من أفراح أسرته ... جاءه صبيُّ يقول له: ماما ... وأشار إلى حيث تقف سيدة في ركن قصيٍّ ترتدي فستانا مطرزا بخيوط لامعة يبعث هالة مضيئة من حولها وقد ترك الزمن على وجهها آثاره ... تقدم إليها ... مدّ يده لليد الممدودة في حذر ... أخذ يتفرس في وجهها ... كاد أن يصرخ من المفاجأة " لولا " . ولأن الحب يجعل المرأة المحبوبة أكثر جمالا وبهاءا ويفعل أفاعيله حتى لو مرت دهور ودهور، فقد تشابكت الأصابع وتلاقت العيون فلمعت ببريق الفرح، وجرت فيهما ماء الحياة بعد جفاف دام ثلاثين عاما ... عيناها في سواد الدب اللامع الألق، وأهداب كأهداب عيون المها، والوجه كدارة القمر، جمالها وحشي كاسر يلتهم الأفئدة، فما بالك بفؤاد صبُّ متيم، انحنى عليها وقبَّل فمها باندفاع أرعن غير مقدر للعواقب ... فغرت فاها باندهاش ... فاجأها كعادته منذ ثلاثة عقود كأنها مضت بالأمس . كان فمها بديعا، وأسنانها مصطفة لامعة ونظيفة مفعما كعادته بالشباب، رغم مرور هذه العقود … استعادا تلك القبلة الندية ورضابها المسكر منذ ثلاثين عاما أدبرت لم يحسّـها في شفاه كل محبوباته، ولم تحسّها هي بين عظام ضلوع صدر من تزوجته عنوة . تحت ضغـوط فقر كثيف، وقسوة زمن غبيّ، وإلحاح أبٍ كسير الكبرياء، وبلد محكوم بتقاليد رثة وبالية، وعقائد مغلقة، تقف حجر عثرة في سبيل إسعاد البشر، وإطلاق طاقتهم الخلاقة ...
تدافعت الأحاسيس شلالات كاسحة أمامها ركام ذكريات ثلاث عقود من حرمان المودة والصبابة والشوق الوله ... أحسا ببرودة تسري في أطرافهما وندت على شفتيهما برَد الندى الرطب ... فرقتهما ظروف القسوة، وجمعتهما الصدفة بغير ترتيب ولا تنسيق ... ثلاثون عاما من الانتظار الكسيح البطيء ... سمي بالمنتظر، صدفة لم تأت إلا بعد سنين وسنين ... يتصيـد ويرهـف السمع عن أخبارها التي تأتي متباعدة ... قالت: أنا ضحيتك ... قال: أنا لست بأفضل منك ... كأن الزمن يعتذر عن آلمنا لكنه اعتذار متأخر جداً ... لا فرق بين المذنبين والضحايا ... كانت الظروف أقسى من أن تقاوم ... قالت: كنت أحبك بجنون ... قال: وأنا كنت أحبك بجنون ... أصبحت جدة ... قالت: لم ولن أنساك يوما حتى وأنا أدخل قبري، قال: قلبي لا يحتمل يا محبوبتي قسوة الفراق مرّة ثانية، الآن نعيش حالة وظرفا استثنائيا ... لك زوج وأحـفاد، ولي زوجة وأحـفاد … قالت: اعرف، ولكن حياتنا وعمرنا ضاع سُدًى ... لم نسعد ولم نعش الحيـاة ... قال: ولن نعشها فليقنع كلانا بما قدر له، فقد ذهب رونق الشباب، وتواكبت علينا المحن، والأمراض . ولتكن الذكريات زادنا ... فلا ذنب لأحد في مآسينا ... لو كنت أمتلك مالا، وكنت أنت غير مكبلة بنير الفقر ومذلته لتغير كل شيء ... الفقر والعوز إهانة، والاحتياج هوان ... كثرة أشقائك أفزعني … كنت سأكون مسئولا عن أهلي وأهلك، وأنا .. رفعت يدها ووضعتها على فمه، فتناولها وقبلها بامتنان وشغف . قالت : لا تضيع جمال لحظة اللقاء في الاعتذار عن ماض لن يعود ...
كان قلبه ينبض بقسوة وعنف فتناول حبة "أذرديل" ووضعها تحت لسانه ... تساءل، أ ينبض القلب العليل بعد كل هذه السنين، أم هي مراهقة متأخرة؟! شعر بإحساس مخادع ... رطوبة الجلد الذي جفَّ وتغضن ... دبيب الرجولة في أعضائه المترهلة ... أطرق أحس مرارة المهزوم ... كان لابد أن يذهبا، فلمعت العيون بدمع همَّ أنْ يتساقط ... تبادلا أرقاما وعناوين على أمل حديث ولقاء . تأبط ذراع زوجته ... تساندت عليه، أخذ يدندن بأغنية حزينة:" عدت يا يوم مولدي عدت يا أيها الشقي، الصِّبَا ضاع من يدي وغزا الشيب مفرقي .."
جلس في الروف وقد تراءت له في ضوء القمر، كسالف أيامه، ونسمات الربيع تدغدغ وتلامس عواطفه المنصتة للموسيقى المنبعثة من أعطافها، ومن وجناتها المدممـة اللامعة، ومن شفتيها التي تنفرج عن أسنان كموجات البحر تتلألأ على قممها ضوء القمر الفضي . . .
سهر إلى آخر الليل ... كان لابد له أن ينام بعد يومه الحافل بالعمل الشـاق صباحا وبالمفاجآت في ليله الطويل ... دفن نفسـه بين الأغطية بجوار زوجة تشكو جفاف المشاعر ووجع المفاصل ... ندت من عينيه دموع سخينة بللت وسادته الجافة ... تمتم هامساً: إنها الحياة ... لكزته امرأته: بطّلْ تكلم نفسك ... نـــــــــــم
أغسطس 2005
أحمد الشافعي- الجنس :
عدد الرسائل : 17
العمر : 81
العمل : موجه سابق بالتربية والتعليم بالمعاش
الهواية : رومانسي/وواقعي
الأوسمة : 0
نقاط : 11495
تاريخ التسجيل : 17/03/2009
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الإثنين 25 يناير 2016, 3:01 pm من طرف الشاعر نادر الأسيوطي
» ديوانُ شعري أنوارٌ بمشكاة
السبت 07 نوفمبر 2015, 8:43 pm من طرف زاهية بنت البحر
» شاكر بوعلاقي اعود الى ماضينا
الأربعاء 28 أكتوبر 2015, 4:20 pm من طرف خوري ليليا
» غرف نوم وغرف اطفال ومطابخ وانتيكات
الإثنين 29 ديسمبر 2014, 9:45 am من طرف احمد عطية
» راجعين نادر الأسيوطي
الثلاثاء 18 مارس 2014, 4:57 pm من طرف الشاعر نادر الأسيوطي
» البوم صور شاكر بوعلاقي
الثلاثاء 04 مارس 2014, 6:00 pm من طرف شاكر بوعلاقي
» محكمة
الخميس 13 فبراير 2014, 6:21 pm من طرف الشاعر نادر الأسيوطي
» صلوا علي الحبيب المصطفي
الخميس 26 ديسمبر 2013, 7:08 pm من طرف انا فيروز
» بشـــــــــــــــــــرى لكـــــــل ربــه منزل وسيده
الإثنين 02 ديسمبر 2013, 8:48 pm من طرف انا فيروز
» دقــــــــولــــهــــا الــــهــــون
الخميس 09 أغسطس 2012, 8:23 pm من طرف عامر عبدالسلام